أحسن الأفعال في تربية الأطفال
المقدمة :
تمتلك النفس الانسانيةنوعين من الغرائز مادية ومعنوية، فالاولى تشمل: الغريزة التي تدفع الانسان نحوتناول الطعام وشرب الماء والهروب من الاخطار وممارسة الجنس وماشابهها، ويشترك كل منالانسان والحيوان في هذا النوع من الغرائز.
اما النوع الثاني فيشمل الغرائزالمعنوية التي تدفع بالانسان نحو طلب العلم، وحب الخير، والتضحية في سبيل الآخرين،والى كل النشاطات التي تميزه عن الحيوان، ومن خلال تنمية هذه الغرائز نحصل علىسعادتنا في الدنيا والآخرة وهو ما عبّر عنه الرسول(ص) بالجهاد الاكبر الذي هو جهادالنفس.
ومن الاسباب التي دعتنا الى اعداد هذه المقالات افتقار المكتبةالعربية للكتب التي تتناول المواضيع التربوية من وجهة نظر اسلامية، وقد راعينا فيهااسلوباً مبسطاً ينسجم مع اذواق الامهات اللائي يرغبن في تنشئة اطفالهن النشاةالاسلامية الصحيحة ، ونساله تعالى ان يوفقنا لسد جزء من هذا الفراغ في المكتبةالعربية ، ومنه نستمد العون والسداد .
تربية الطفل فيالاسلام
ان تربية الطفل تعني في المنظور الاسلامي إنماءالغرائز المعنوية والإهتمام باعتدال الغرائز المادية ... فسعادة الطفل تتحقّق فيالتعامل الصحيح مع نفسه وليس مع جسده، بثوب جميل يرتديه أو حلي يتزيّن بها أو مظهرجذّاب يحصل عليه ... ويتخلص الطفل من الالم حين يمتلك الوقاية من الإصابة بالامراضالنفسية كالغيرة والعناد والكذب... ويجدر بالوالدين إمتلاك الوعي اتّجاه هذهالحقيقة التي جعلها الاسلام من الواجبات عليهما (أم وأب) لما فيها من أثر كبير علىالمجتمع .
أثر التربية على المجتمع :إنّأكثر العظماء الذين قضو حياتهم في خدمة الناس، كانوا نتاج تربية صحيحة تلقوها فيصغرهم فأثرت على صناعة أنفسهم فأصبحوا عظماء بها .. والقرآن الكريم حين يحدثنا فيأطول قصة جاءت فيه تدور أحداثها عن الصراع القائم والدائم بين الحق والباطل ... ومنأبرز الشخصيات التي واجهت الظلم بكل أبعاده وعناوينه هو موسى (ع) الذي جعله القرآنرمزاً في التحدّي والمواجهة للظاهرة الفرعونية على الارض ... نجد أن طفولته (عليهالسلام) كانت تحت رعاية أم وصلت من خلال تربيتها لنفسها الى درجة من الكمالالانساني اوصلها الى درجة أن يوحى إليها : ﴿ وأوحينا الى أمّ موسى ﴾ ( القصص : 7 ) .
ثم تلقفته يد أخرى لها مكانة أيضاً في مدارج التكامل الإنساني وهي آسيةزوجة فرعون التي تخلّت عن كلّ ما تحلم به المرأة من زينة ووجاهة اجتماعية مقابلالمبدأ والحركة الرسالية وتعرضت لوحشية فرعون الذي نشر جسدها بعد أن وتده على لوحةخشبية وهي تدعو : ﴿رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ﴾ (التحريم : 11 )
واصبحت بذلك مثلاً ضربه الله للرجال والنساء المؤمنين : ﴿ ضرب اللهمثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون﴾ (التحريم : 11 ).
وبالمقابل نجد ان أكثر منيعيث في الأرض فساداً أولئك الذين وجدوا في صغرهم أيادي جاهلة تحيط بهم.. وبمراجعةبسيطة في مزبلة التأريخ تلحظ طفولة المجرمين والطغاة نساءاً ورجالاً قاسية جافةبسبب سوء التعامل مع النفس البريئة.
جاء في الحديث الشريف : ( قلب الحدثكالارض الخالية ، ما ألقي فيها من شيء قبلته)(الوسائل : باب 84 ) .
(بادروا (أحداثكم) بالحديث قبل ان تسبقكم إليه المرجئة) ( الوسائل : باب 84 ) .
ومنالحديث الاول يتضح أن نفسية الطفل كالأرض الخالية التي تنبت ما أُلقي فيها من خيرأو شر يتلقاه الطفل من والديه من خلال التعليم والسلوك... ومن الحديث الثاني تتضحضرورة الاسراع في إلقاء مفاهيم الخير في نفسه الخصبة قبل ان يسبقنا اليه المجتمعليزرع فينفسه افكاراً او مفاهيم خاطئة.
تقويم السلوك :وتبقى التربية في الصغر عاملاً مؤثراً على سلوك الفرد وليس حتمياً .. بمعنى إن الفرد حين يكبر بإمكانه أن يعدل سلوكه وفكره فيما لو تلقى تربية خاطئة فيصغره ... فله أن يجتثّ في سن الرشد أصول الزرع الشائك الذي بذره الوالدان في نفسهصغيراً .. وبإمكانه أن يذهب العقد التي خلفتها التربية الخاطئة وليمحورواسبها.
جاء في الحديث الشريف عن الامام الصادق (ع) : ( إنّ نطفة المؤمنلتكون في صلب المشرك فلا يصيبها من الشر شيء، حتى إذا صار في رحم المشركة لم يصبهامن الشر شيء، حتى يجري القلم ) (الكافي: 2).
ويعني (حتى يجري القلم) هو بلوغالفرد مرحلة الرشد والتكليف ، فيكون مسؤولاً عن نفسه وعمله ليحصل بذلك على سعادتهوشقائه باختياره وإرادته.
كيف يتم التعامل مع الابناء ؟
إنّالمربي الاسلامي يلزم الوالدين بأنواع من أساليب التعامل موزعة على مراحل ثلاث منحياة الأبناء ... وينبغي للوالدين معرفة وتوفير حاجات الابناء في كل مرحلة . وهيباختصار كالآتي :
المرحلة الاولى :
وفي هذه المرحلة ينبغي على الوالدينالتعامل مع الطفل على اساس حاجته التي تتميّز بـ:
1 ـ اللعب .
2 ـالسيادة .
وكما جاء في النصوص الشريفة عن النبي (ص) : (الولد سيّد سبعسنين..) ( بحار الانوار :ج 101 باب فضل الأولاد ).
وعن الإمام الصادق (ع) : (دع ابنك يلعب سبع سنين...) (المصدر السابق).
وعن الإمام الصادق (ع) ايضاً : (اهمل صبيّك تأتي عليه ست سنين..)
ولعب الطفل التي تتحدث عنه الرواية تعنيعدم إلزامه بالعمل فيما يتعلم من والديه.. وسيادته تعني قبول أوامره دون الإئتماربما يطلبه الوالدان .. أما اهماله فهو النهي عن عقوبته .. فهذه المرحلة تكون نفسيةالطفل بيد والديه كالأرض الخصبة بيد الفلاح تتلقف كل ما يبذر فيها من خير أو شرّ. ( قلب الحدث كالارض الخالية، ما القي فيها من شيء قبلته).
المرحلة الثانية :وفي هذه المرحلة يجدر بالوالدين التعاملمع الطفل على اساس :
1 ـ عبودية الطفل .
2 ـ ادب الطفل.
فقدجاء في النصوص الشريفة : عن النبي (ص) : (الولد سيد سبع سنين ، وعبد سبع سنين ).
وعن الإمام الصادق (ع) : (دع ابنك يلعب سبع سنين ، ويؤدب سبعاً..)
وعنه ايضاً : (اهمل صبيّك تأتي عليه ست سنين، ثم أدبّه في ست سنين) .
وعبوديّة الطفل تعني طاعة والديه فيما تعلّم منهم في المرحلة الأولى،وأدّبه تعني إلتزامه بالنظام وتحمّله للمسؤولية، وهذه المرحلة بالنسبة للوالدينتشبه عند الفلاح وقت نمو الزرع الذي بذره وظهور الثمر.
المرحلة الثالثة :تختلف هذه المرحلة عن الثانية في انّالأبناء أصبحوا في المستوى الذي يؤهلهم لإتخاذ مناصبهم في الأسرة .. فالولد (ذكر أوأنثى) في هذه المرحلة :
1 ـ وزير لوالديه .
2 ـ مستشارلهم.
فقد جاء في الحديث الشريف، عن النبي (ص) : ( الولد سيد سبع سنين، وعبدسبع سنين، ووزير سبع سنين).
وعن الامام الصادق (ع) : (دع ابنك يلعب سبعسنين، ويؤدب سبعاً، والزمه نفسك سبع سنين فإن أفلح وإلاّ فإنّه لا خير فيه)
وعنه ايضاً (ع) : (اهمل صبيّك تأتي عليه ست سنين ثمّ أدّبه في الكتاب ستسنين، ثم ضمه إليك سبع سنين، فأدّبه بأدبك فإن قبل وصلح وإلاّ فخل عنه).
ففيهذه المرحلة يكون الولد (ذكراً أو أنثى) كالنبات الذي حان وقت قطف ثماره.. فهو وزيرلوالديه كالثمر للفلاّح، ووزير الملك الذي يحمل ثقله ويعينه برأيه . ( مجمع البحرينمادة وزر).
ولقد دعا موسى (ع) ربّه أن يكون له وزير في مهمته الصعبة : ﴿واجعل لي وزيراً من أهلي﴾ ( طه : 29).
ثم إنّ الزام الوالدين للولد في هذهالمرحلة وضمه اليهما كما جاء في النصوص الشريفة تعني كونه مستشاراً لهم الأمر الذييفترض قربه ودنوه من والديه ... أمّا إن كان الولد (ذكراً أو أنثى) في هذه المرحلةغير مؤهل لهذا المنصب في الوزارة والاستشارة ... فهذا يرجع الى سوء التعامل معه فيالصغر .. فعدم وجود الثمرة يرجع الى البذرة لا الى التربة الخصبة، كذلك نفسية الطفلالتي تنبت مابذر فيها ... ولا علاج لهذه الثمرة الرديئة ولا ينفع الأدب معها، وهوما تشير اليه الرواية (فخلّ سبيله) أو (فإنّه لا خير فيه) .
العناد عند الاطفال
إنّ العناد مشكلةتعاني منها أكثر الامهات .. وهو مصدر تعب ونكد لهن .. والأم تحرص دوماً على طاعةولدها لها... ولذا تظل متحيرة حيال رفضه لما تريد منه ... ولا تدري كيف تتصرف ازاءعناده.ومع ان العناد ليس غريزة تولد مع الطفل كما تتصور بعض من الامهات.. بل هو مؤشر على خلل في نفسية الطفل نتيجة سوء التعامل مع غرائزه الفطرية النامية فيالمرحلة الاولى من عمره ... فالطفل حين بلوغه السنتين تبرز استعداداته الفطرية التيتحتاج الى رعاية واهتمام لبناء شخصيته المتزنة .. وأيّ خطأ أو انحراف عن الطريقالصحيح والسليم يجعله معانداً .. فالعناد اشارة خطر تدل الوالدين على ضرورة تقويموتعديل سلوكهم .. ولذا جاء في الحديث الشريف : (رحم الله من أعان ولده على بره) (عدة الداعي : ص 61 )ولكي يتجنب الوالدان حالة العناد عند أبنائهم .. لابّدمن الاشارة الى كيفية التعامل الصحيح مع الطفل في المرحلة الاولى من حياته ... وهيكما يلي :1 ـ اشباع حاجات الطفل : إن الطفلفي المرحلة الاولى من عمره (من عمر 1 الى 7 سنين) يحتاج الى الحب والحنان لتنميةقدراته النفسية، كما يحتاج الى الطعام والماء لتنمية قدراته الجسدية .. وكل فرديحتاج الى قوة النفس لممارسة نشاطاته الحياتية، وتعتبر حجر الاساس في النجاح فيالممارسات اليومية .. فالطالب في المدرسة يحتاج الى قوة النفس مع المذاكرة لتحقيقالنجاح، لأن المذاكرة مع ضعف النفس لاتنفع شيئاً ... والمعلم يحتاجها أيضاً، كذلكالطبيب وكذلك الزوجة والأم.وتاريخنا الاسلامي يسجل للإمة الاسلامية قوتهاوصلابتها في مواجهة قريش وعدّتها وعددها بما أوتيت من ثقة بالنفس يحمله أفرادها ..إضافة الى أن باب خيبر الذي يعجز الرجال الاشداء عن حمله استطاع الامام علي (ع) بقوة نفسه أن يحمله وليس بقوته العضلية.إنّ إشباع حاجة الطفل من الحبّوالحنان ضروري ، لذا أكدتها التربية الاسلامية في النصوص التالية :عن النبي (ص) : (احبوا الصبيان وارحموهم) ) بحار الانوار : ج 101 باب فضلالاولاد).وقال الامام الصادق (ع) : ( إنّ الله ليرحم الرجل لشدة حبّه لولده ).وعنه ايضاً (ع) : (بر الرجل بولده برّه بوالديه) (من لايحضره الفقيه : ج3باب فضل الأولاد ).ولايكفي أن نحمل الحبّ لأولادنا في قلوبنا، بل ينبغي منالوالدين إظهار لهم من خلال السلوك مثل تقبيلهم.جاء في الحديث الشريف عنالامام علي (ع) : ( من قبّـل ولده كان له حسنه، ومن فرَّحه فرَّحه الله يومالقيامة) ( بحار الانوار : ج 101 باب فضل الاولاد ).وجاء رجل الى النبي (ص) فقال : ما قبّـلت صبياً قط، فلما ولى قال النبي (ص): (هذا رجل عندنا إنه من أهلالنار) (المصدر السابق).وكذلك بادخال الفرح الى قلوبهم من خلال حمل الهدايالهم والتوسعة عليهم.قال النبي (ص) : من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها الىعياله كان كحامل صدقة الى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنه من فرح ابنهفكانما اعتق رقبة من ولد اسماعيل.(ليس منّا من وسّع عليه ثمّ قتر علىعياله).(المصدر السابق)2 ـ الإهتمام بوجود الطفلإنّ الطفل بحاجة ايضاً في السبع السنوات الاولى من حياته الى شعوره بأنهيحتل في قلوب والديه مكاناً مهماً سواءً أكان ذكراً أو أنثى ، ذكياً أو بليداً ،جميلاً أو قبيحاً .. وينبغي للوالدين الانتباه الى هذه الناحية، مثل الاصغاء اليهحين يتحدث ... وأخذ مشورته في القضايا العائدة اليه ... واحترام رأيه حين يختار .. ونحن نلحظ ان المربي الاسلامي يوجهنا الى هذه المعاني .. ففي قصة إبراهيم الذي جاءهالامر الالهي في الذبح ، ومع ان الامر الالهي لا يتغير ولا يتبدل ، لكن إبراهيم (ع) لا ينفذه الا بعد المشورة : ﴿ يابنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك، فانظر ماذاترى﴾ ( الصافات : 102 ) .كذلك سيدة النساء الزهراء (ع) تحرص على إسماعأبنائها دعاءها لهم في صلاة الليل مع استحباب اخفائه، والسبب واضح لتأكيد اهتمامهابهم وبأنّهم يحتلّون في قلبها مكاناً، الأمر الذي دعاهم الى الاستغراب والتساؤل عنالسبب في أن يكونوا في المرتبة الاخيرة في تعدادها للمؤمنين في ركعة الوتر ، فتقوللهم (ع) : ( الجار ثم الدار).إنّ من المؤسف أن نجد بعض الآباء لا يهتمونبوجود الأبناء فيتجاهلونهم في وجود الضيوف، فلا يقدمون لهم الطعام ولا تعطى لهمفرصة في الحديث...إلخ